الأحد، 17 يونيو 2018

عُمْر البشرية، ومنحنى نقصان عُمْر الإنسان



عُمْر البشرية، ومنحنى نقصان عُمْر الإنسان


عُمْر البشرية، ومُنحنى نقصان عُمْر الإنسان!
Age of Humanity, and The Decline of "Human Age"
عزالدين كزابر


مقدمـــــة

واجهنا عدداً من الإشكالات في التحقق من وجود علاقة بين موقع الكعبة المشرفة بين قطبي الأرض من جهة، والنسبة الرياضية الشهيرة بـ "النسبة الذهبية" من جهة ثانية. وقد عرضنا هذه الإشكالات في دراسة سابقة "الكعبة المشرفة والنسبة الذهبية: من التهافت إلى..".

وفي طريقنا إلى التحقق من وجود هذه العلاقة، وشرائط ذلك، وجدنا أن هذا الطريق يمر بمحطة تعيين نطاق عمر البشرية، أي قيمته الراجحة، أو حدوده التي تتفق والمصادر الإسلامية الحاسمة في كتاب الله تعالى، أو الراجحة فيما أتى من حديث نبوي شريف، وما يلحق بذلك من تفسير أو تأويل.

ولأننا لم نجد من انتبذ نفسه لتعيين عمر البشرية قبلنا من المصادر الإسلامية بأي وسيلة كانت – في حدود استقصائنا – فوجدنا أن ذلك أصبح لزاماً علينا فعله، رغم المخاطرة التأويلية، ووعورة طريق البحث وحداثته.

ونُلمِّح بـ "المخاطرة" هنا إلى المحاولة النصرانية الكنسية التي أقدم عليها كبير أساقفة الكنيسة الأيرلندية جيمس أشر James Ussher  (1581-1656)، وكانت محاولة كارثية. فقد قامت على أخبار من التوراة فيها الصادق وفيها غير ذلك، فكانت النتيجة أن خرجت تلك الدراسة بأن البشرية قد بدأت بخلق آدم عليه السلام ليلة السبت (23 أكتوبر سنة 4004 قبل ميلاد المسيح) طبقاً للتقويم اليوليوسي Julian calendarوهي النتيجة التي تصيدَّها أعداء الله تعالى ودينه الحق، لينالوا منه بزعمهم، فيصلون إلى مرادهم الباطل الأثيم، بإبطال الدين؛ كل الدين: توراة وإنجيل وقرآن. وهيهات أن يتحقق لهم هذا، وإن افتروا بالعلم باطلاً، وتعالوا بالفهم شأواً زائفا.
ورغم هذه المخاطرة، إلا أن الحق أبلج، وابتغائه واجب، والأجر مضمون، والخطأ مرفوع لمن أقر به بإذن الله تعالى.


وبهذا الحماس، اقتحمنا غمام هذه المسألة: "عمر البشرية منذ أن خلق الله تعالى آدم عليه السلام"، فوجدنا أن عمر البشرية لا يجب أن يقل عن 520,000 ألف سنة، ولا ينبغي أن يقارب 2,700,000 سنة (إلا في إطار أدلة مادية ترجح ذلك: أنظر الجزء الثاني من هذه الدراسة: (عمر البشرية والحفريات البشرية المفترضة))، وأن عدد القرون المنصرمة منذ آدم عليه السلام يزيد عن 2700 قرن. وأن الباقي من عمر البشرية لا يقل على الأرجح عن 5000 سنة من نزول القرآن، وقد يمتد إلى 25,000 سنة.



حساب عمر البشرية:


تقوم دراستنا هنا على الآتي:
1- أن عمر آدم عليه السلام 1000 سنة (ملحق (1))، وسنفترض أن السنين هنا تعني السنين الشمسية(ملحق (2))، إلا إذا ذكرنا غير ذلك.

2- أن بين آدم ونوح عشر قرون(ملحق (3)).

3- أن القرن هو الفترة الزمنية (الإحصائية) التي تمر بين ذروة جيل وذروة جيل لاحق من الناس، وبما لا يتداخل الجيلان إلا في القليل جداً من الناس، أو بعبارة أخرى: أن القرن هو متوسط عمر الجيل من الناس(ملحق (4)) والذين لا يتراءوا وأمثالهم من الجيل اللاحق. وهذا يختلف بالطبع من زمن إلى زمن مع نقصان الأعمار.

4- أن "العمر المتوسط للإنسان"(ملحق (5)) يتناقص منذ آدم وإلى يومنا هذا، إلا ما شذ عن ذلك، وأنه بين كل قرن والذي يسبقه فرق في الطول الزمني لا يقل عن سنة واحدة(ملحق (6)).

5- أن عمر نوح عليه السلام كان أكثر من أو يساوي 950 سنة، وأقل من عمر آدم(ملحق (7))، أي (950+د) سنة، وحيث أن عدد القرون بينهما 10 قرون، وكل قرن تالي يقل سنة واحدة (في المتوسط) على الأقل، ويقل 5 سنوات (في المتوسط) على الأكثر. وعندئذ لا ينبغي أن يزيد عمر نوح عن 990 سنة، ولا ينبغي أن يقل عن 950 سنة، وعلى ذلك فإن قيمة (د) هو المدى (صفر-40) سنة.

6- أن مدة القرن في زمن صدر الإسلام وما يليه – وبعيداً عن تأثير التطور الطبي والصحي للناس- هو ما بين الستين والسبعين سنة قمرية(ملحق (8)). وأن متوسط ذلك هو 65 سنة هجرية، أي: 63.1 سنة شمسية.

7- ونتنبأ بأن تغير عمر الإنسان في التناقص هو تناقص طبيعي، ويتبع السنن الكونية في سنن التناقص. وأشهر هذه السنن وأكثرها شيوعاً هي الدالة اللوغاريتيمة(ملحق (9)). وصورة هذه الدالة هي:




حيث أن (A) هو عمر الإنسان في أي زمن، و (A0) هو عمر الإنسان في بداية الزمن البشري، أي عمر آدم عليه السلام، أما عمر البشرية في أي زمن لاحق فنحصل على قيمته بـالتعويض عن قيمة (t) والتي هي الزمن المنصرم رجوعاً إلى آدم. أما (μ) فهو ثابت مميز لكل دالة لوغاريتيمة تقدم نفسها كنموذج يتناقص على التدريج على نحوٍ متصل، ويقيس هذا الثابت مدى تسارع تناقصها. بمعنى أننا لو طبقنا المعادلة على مخلوقات مختلفة، وأنها جميعاً تتعرض للتناقص في العمر مع الزمن بنفس الدالة، فسوف يتميز كل مخلوق منها بقيمة مخصصة لـ (μ)، تعبر عن مجمل الخصائص الذاتية لهذا المخلوق، أو الظاهرة المتناقصة. وأخيراً يأتي (e) والذي يمثل ثابت الدالة اللوغاريتيمة، وهو قيمة مُعدة مسبقا في أي حاسوب أو آلة حاسبة ولا تتطلب إلا محض إختيارها. أما قيمتها الحسابية فهي: (2.71828…..).

وإذا مثلنا هذه الدالة بشكلها العام على مخطط بياني لنرى كيف يتم تعبيرها عن التناقص مع مرور الزمن (t)، فسوف نجدها تأخذ الصورة الآتية:




شكل (1)



8- ونعمد الآن إلى تغذية المعلومات في الخطوات من 1 إلى 6 في الخطوة 7 لنحصل على الرسم البياني التالي ( مع ملاحظة أن قيمة (د) الحقيقية في عمر نوح عليه السلام (أو متوسط العمر في قرنه) مجهولة، ولكن مداها هو (0-40) سنة، ومن ثم، سنعمل على حساب دالة التناقص في بداية ونهاية هذا المدى، أي عند قيمة (0) وقيمة (40) أي ما يكافئ عمراً لنوح عليه السلام (950) و (990)، ويكون الصواب هو انحسار الدالة الصحيحة بين هذين الحدين)(ملحق (10)).

فإذا كان عمر نوح هو 990 سنة، فإن الفرق بين آدم ونوح عند ميلاده هو مجموع عمر عشرة قرون، تبدأ بقرن آدم عليه السلام، ويقل عمر كل قرن عن السابق له بسنة واحدة (ملحق (12))، فيكون مجموعها هو:

 1000 + 999 + ... + 991 =  9955 سنة.

وعندئذ، نضع (A) = 990، و (t) = 9955 في المعادلة (1) فتأخذ الصورة:


ومنها نحصل على قيمة μ، والتي نسميها μ1:

وإذا كان عمر نوح هو 950 سنة، فإن الفرق بين آدم ونوح عند ميلاده هو مجموع عشرة قرون تبدأ بقرن آدم وما بعده من قرون بحيث يقل كل قرن عن سابقه بـ 5 سنوات، فيكون المجموع:

1000 + 995 + 990 + ... + 955 =  9775 سنة

وعندئذ تأخذ المعادلة (1) الصورة:
ومنها نحصل على قيمة μ، والتي نسميها  μ2
ومعنى ذلك أن قيمة الثابت μ التي يتناقص بها عمر الإنسان ينبغي أن تنحصر بين القيمتين 1μ، 2μ المبينتين في معادلة (2) ومعادلة (3) أعلى.

أي أن معادلة التناقص الأدنى (الأبطأ) هي:

ومعادلة التناقص الأقصى (الأسرع) هي:

وتمثل المعادلتان (4)، (5) منحنيان حدِّيان، فإذا رسمناهما، وما بينهما من منحنيات بينية، نحصل على الشكل الآتي:

شكل (2)

 وتكون النتيجة التي نصل إليها: أن هذين المنحنيين يمثلان الحدّان اللذان ينحصر بينهما عمر البشرية الذي انقضى منذ خلق الله تعالى آدم وإلى يومنا هذا، والذي وصل فيه متوسط عمر الإنسان إلى 65 سنة قمرية، أو 63.1 سنة شمسية، (بعيداً عن تأثير التطورات العلاجية للأمراض وتحسُّن المواصفات الغذائية والرعاية الصحية). بمعنى أن منحنى تناقص عمر الإنسان الحقيقي يقع في المنطقة البينية بين هذين المنحنيين وبما لا يخرج عنهما.



هكذا إذاً يكون عمر البشرية – بناءاً على التحليل السابق - قد وصل إلى ما لا يقل عن 520,000 سنة حسب المنحنى الأحمر الداكن الذي يمثل الحد الأدنى للعمر، وأن الزمن قد يكون قد امتد ووصل إلى 2,700,000 سنة الممثل بالمنحنى الأزرق كحدٍّ أقصى لعمر البشرية.



ولا توفر لنا المعلومات التي استندنا إليها حتى الآن تعييناً لعمر البشرية أدق من ذلك، أي: تعيين منحنى بيني يكون أوْلى من غيره، إلا أن الراجح أن منحنى تناقص عمر البشرية الحقيقي أقرب إلى منحنى الحد الأدنى في العمر (الأحمر الداكن) – الذي هو شبه مؤكد - لاعتبارات قد نبينها لاحقاً. وأياً كانت النتيجة الحقيقية لعمر البشرية، فهذه النتائج علمية بكل المعايير، ومن الصعب الطعن فيها، إلا بدرجة الطعن في نظريات علمية فلكية وفيزيائية تعتبر أضعف في الاستدلال عليها من منهجنا الذي اتبعناه أعلى وأقمنا عليه حجتنا.

تعقيبات واعتراضات محتملة:



1- رُب من يعترض على الدالة التناقصية اللوغاريتمية، ويقول: ألم يكن من الأيسر أن تكون الدالة التناقصية دالة خطية؟




شكل (3)



نقول: الدوال الخطية  - كالتي تظهر في شكل (3) - ليست طبيعية، أي لا تطابق عين الحقائق التي تصفها في غالب الأحوال، بمعنى أن التعامل مع الظواهر الطبيعية أثبت أن الدوال الخطية دوال مثالية، وإذا استخدمت في ظاهرة ما فإنها تُستخدم لتقريب الحسابات، أو لأغراض التعليم وليس البحث العلمي الرصين، ويترافق ذلك مع تجريد الظاهرة من تعقيدات لا تستطيع الرياضيات البسيطة التعامل معها بنتائج إيجابية. أما إذا تمكن المتخصصون من امتلاك ناصية الرياضيات الكافية لترويض وصف الظاهرة، فإنهم ينتقلون من الرياضيات الخطية البسيطة وإلى رياضيات عُليا أكثر تعقيداً، فتكون أقرب إلى وصف حقائق الظاهرة ( ومثال لذلك قانون الغازات المثالية  Ideal Gas Law الذي يدرسه طلاب المدارس، وما يؤول إليه من قانون الغازات الحقيقية Real Gas Law إذا أريد للنموذج الرياضي أن يصف الظاهرة وصفاً أعلى دقة وأوفى بالحقيقة).

ثم أن الظواهر التي تتشابه والحالة التي نحن بصددها، من تناقص طبيعي أو تدهور أو انحلال، تتبع المنحنى اللوغاريتمي. ومثال لذلك انحلال المواد النشطة إشعاعياً، حيث يقل نشاطها مع الزمن بدالة لوغاريتمية، ومثال آخر الانبعاث الحراري من مصدر مختلف حرارياً عن وسطه المحيط، فنجده يقترب حرارياً من حرارة الوسط بدالة لوغاريتيمة. ومن المفترض أن ظاهرة موت الأحياء تعاني من ظاهرة مشتركة مع هاتين الظاهرتين، ونقصد الظاهرة الإشعاعية، وظاهرة الانبعاث الحراري. حيث أن الحياة ظاهرة نشاط، ومن ثم خروج عن الوسط الميت المحيط، وعلى ذلك فمن المفترض أن تجنح الأحياء إلى الموت بدالة لوغاريتيمة أيضاً. وما يبقيها لفترة أطول هو بطء تناقص الدالة. أما منع هبوطها، أو كونها توصف بمعادلة خط مستقيم متناقص، فهذا مما تنكسر به طبيعة الظاهرة.



2- كيف تتنبأ الدالة اللوغاريتيمة بعدد القرون بين نوح ومحمد عليهما الصلاة والسلام؟


مما هو معلوم أن عدد القرون التي مرت على الإنسان في وجوده على الأرض منذ خلقه الله تعالى كثيرة، وأن الزعم بمعرفتها، وعلى التفصيل، زعم زائف. وهذا ما يؤكده كلام الله تعالى، وحديث رسوله صلى الله عليه، في هذا الشأن.

يقول الله تعالى "وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا، وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا"(الفرقان:38)،

وعن ابن عباس رضي الله عنه: أن النبى  - صلى الله عليه وسلم -  كان إذا انتهى (في الانتساب) إلى معد بن عدنان أمسك وقال: "كذب النسابون. قال الله: {وقرونا بين ذلك كثيرا}". قال ابن عباس: لو شاء رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  أن يعلمه لعلمه" (ابن عساكر) [كنز العمال 35511]".

وإذا استقصينا عن عدد القرون من الدالة اللوغاريتمية التي حصلنا عليها منذ آدم وحتى رسول الله صلى الله عليه وسلم (على دالة التناقص الأسرع)، لحصلنا على الآتي:


جدول (1)

ومنه يتضح أن عدد القرون بين آدم وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم تقدر في هذا النموذج بـ أكثر من 2700 قرن. (قمنا بتعريف "القرن" آعلى)

3- الباقي من عمر البشرية:

لا شك أن علم الساعة لا يعلمه إلا الله وحده، سبحانه، كما قال في كتابه العزيز "يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ، ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً، يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا، قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"(الأعراف:187).

وعلينا أن نميز بين قيام الساعة على مستوى الكون وبين نهاية البشرية. فالساعة هي أحداث تهدُّم الكون، أما نهاية البشرية، نهاية حياة بني آدم، وهذا يسبق التهدم السابق بالتاكيد. وحيث أن الفرق الزمني بينهما لا يعني شيئاً للأموات، فتأتي نهاية البشرية لتعني أيضاً مجيء الساعة.

وقد جاء من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما يقرب نهاية البشرية للتصور الإنساني، قرباً أو بعداً، فقد جاء "عن عبد الله بن عمر – رضي الله تعالى عنهما - انه كان واقفا بعرفات، فنظر إلى الشمس حين تدلت مثل الترس للغروب. فبكى واشتد بكاؤه! فقال له رجل عنده: يا أبا عبد الرحمن، قد وقفت معي مرارا لم تصنع هذا! فقال: ذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بمكاني هذا، فقال: "أيها الناس إنه لم يبق من دنياكم فيما مضى منها الا كما بقى من يومكم هذا فيما مضى منه"(ابن حنبل في مسنده ). وجاء في ذلك أحاديث أخرى، يرجع إليها(ملحق (11)).

فإذا اختبرنا العلاقة بين تأهل الشمس للمغيب (مغيربان الشمس) والباقي من عمر البشرية، فيمكننا مقارنتهما على مقياس الدقائق القليلة المتبقية من نهار/حياة البشرية في الدنيا.

وإذا تساءلنا ما الذي سيمثل نهاية البشرية في نموذجنا الحسابي، فسنجد أن الإجابة كامنة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين"، وذلك إذا فهمناه على أن الستين من العمر هو أقل ما سيصل إليه العمر لو أخذنا كامل الفترة، وإذا افترضنا أن اللحظة الزمنية التي يشير إليها النبي بلحظة المغيربان (قُبيل الغروب) هي زمن الصحابة، أو القرن الأول، فيناسب ذلك أن يكون قرن النبي والصحابة هو عمر الإنسان عند السبعين، وذلك أيضاً إذا أخذنا كامل الفترة. وبمعنى آخر: لن يزيد النقصان أبداً في عمر الإنسان من زمن النبي إلى آخر البشرية عن 10 سنوات، ولن يقل (متوسط) العمر عن الستين سنة. وإذا ما وصل الستين، فهذا ما يقابل غروب الشمس التام من اليوم المثال الذي مثل به رسول الله عمر البشرية.
وعلى ذلك يكون الزمن المنقضي من وقت أن يكون عمر الإنسان 70 على منحنى نقصان العمر، وحتى هبوطه إلى الستين، هو أقصى تقدير للباقي من عمر البشرية.

وباستخدام الدالة في معادلة (1) للحصول على الزمن t (أي الزمن المنقضي بين قرن آدم A0 والقرن الطلوب حساب الزمن إليه A) ، وباعتماد المنحنى الأسرع تناقصاً، أي المحكوم بالثابت μ2، يمكن حساب النسبة بين أقصى باقي في عمر للبشرية إلى كامل عمر البشرية، ويأخذ عندئذ الصورة:

حيث:


وبالتعويض نحصل على النسبة R:

أي أن ما بقى من عمر البشرية يساوي على أقصى تقدير 5.59 % مما مضى. فإذا كان ما مضى يماثل طول النهار المتوسط (12 ساعة = 720 دقيقة) في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، يكون حساب ما بقى قبل مغيب الشمس هو:

 (0.055865 * 12 = 40.22 دقيقة).

وهذا هو الحد الأقصى بافتراض أن كامل السنوات العشر داخلة في الفترة الباقية من عمر البشرية. ولكن هذا ليس ضرورياً لأن القول بأن أعمار أمة محمد بين الستين والسبعين يعني أن أعمارهم منحصرة على الغالب بين هذين الحدين. ولكن، ليس بالضرورة أن فترة أعمارهم تمتد حتى تمس هذين الحدين. فنفس الوصف يتحقق بجزء مما بين الحدين دون كل الفرق بينهما، شريطة ألا يتجاوزهما.

وإذا كان كل ما سبق يقوم على منحنى التناقص للوغاريتمي الأشد انحداراً ( μ2)، فيمكننا تكرار الحسابات أيضاً للمنحنى الأقل انحداراً (μ1)، وسنجد عندها أننا سنحصل على نفس الزمن النسبي للباقي من غروب الشمس، إلا أن الافتراق بين درجتي انحدار المنحنيين سيؤدي إلى افتراق حساب الباقي الفعلي من عمر البشرية.

وعلى ذلك نرسم علاقة بين الباقي من عمر البشرية (للمنحنيين الحديين) ومقابله بالدقائق، فنحصل على الجدول والشكل الآتيين: (ونلتصق بالحد العلوي من عمر الإنسان في قرن النبي – 70 قمرية = 68 شمسية – لأن الحديث استثنى ما وراء الحد الأعلى، مما يزكي أن الفترة الحقيقية أقرب إلى الحد العلوي).

 وإذا فعلنا ذلك نحصل على النتائج الآتية، (جدول 2)، (شكل 4):


جدول (2)

شكل (4)

ومن هذه النتائج نتنبأ بأن المنطقة المظللة هي الأقرب احتمالاً لانتهاء عمر البشرية فيما يخص زمن بقاء شمس المغيب، ومن هذه المنطقة يزداد الاحتمال في البقعة المؤشر عليها بالمحدد الأصفر فيما يخص رجحان منحنى تناقص العمر. وجدير بالملاحظة أن كل المستقيمات بين الخطين الملونين مشمولة في النتيجة، إذ أن هذين الخطين لا يمثلان إلا حدي النهاية التي ينبغي عدم تجاوزها في إجراء الحسبات لتقدير انعدام الفائدة وراءها. وحيث أننا ذكرنا أن المنحنى الأشد انحداراً (2μ)  في شكل (2) هو الأقرب إلى الحقيقة، فيكون مقابله هنا هو الخط الأحمر. ومن ثم تكون توقعاتنا الغالبة في شأن نهاية البشرية هي أن:

تقع نهاية البشرية على الراجح ما بين خمس آلاف سنة بعد نزول القرآن وإلى أقل من 25 ألف سنة
هذا والعلم الصحيح عند الله، سبحانه. 

الخلاصة:


1- ما دام أن القرآن حقٌ من عند الله. فلا بد أن عُمْر بني آدم يتناقص من أكثر من 950 سنة لبثها نوح عليه السلام في قومه، وإلى ما عليه الإنسان الآن من عُمْر. وهذه إفادة صريحة لا يستطيع أي متعالم أن ينفيها لكونها نصٌ لا يحتمل التأويل، وإن لم يستطع الاستدلال عليها بوسائل أخرى بعد.


2- وبمناظرة المسألة مع ظواهر الطبيعة، تبين لنا أن التناقص في العمر لا بد أن يكون متصلاً – أي على التدريج ولا يحتوي قفزات – وأن التناقص يتبع منحنى لوغاريتمي مثله مثل كل ظواهر الانحلال والتدهور.

3- وبالاستعانة بما وصلَنا من حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مما يلحق بمسألة تناقص عمر الإنسان، والذي أصبح حقيقة علمية عندنا، ، قمنا بتعيين ميل منحنى التناقص ارتكازاً على كل احتمالات عمر نوح عليه السلام.

4- آلت الحسابات إلى نطاق من المنحنيات تقول أن أقل عمر للبشرية المنصرم لا بد وأن يزيد عن 520,000 ألف سنة، كحدٍّ أدنى، ومن المحتمل أن يكون قد ارتقي إلى 2,700,000 ألف سنة كحدٍّ أعلى، والأرجح أن عمر البشرية أكبر من الحد الأول بعض الشيء بما يوافق ما زاد في عمر نوح عن 950 سنة.

5- عدَّدنا القرون بين آدم ومحمد عليهما الصلاة والسلام حسب النموذج الرياضي السابق، فكانت النتيجة أن عدد القرون قد زاد عن 2700 قرن.

6- قمنا بحساب نطاق المتبقي من عمر البشرية من نزول القرآن، فتبين أنه على الغالب لن يقل عن  5000 سنة ولن يزيد عن 25 ألف سنة.
هذا والله تعالى أعلم. 

 7- أما عن فائدة هذه الدراسة في استكمال التحقيق في مسألة العلاقة بين الكعبة المشرفة والنسبة الذهبية ، فهذا ما سوف نراه بإذن الله تعالى في الدراسة التالية.
8- (إضافة بتاريخ 25-5-2013)
طبقاً للدراسات الجينية (على الكروموسوم (Y على مئات الآلاف من الناس، أمكن إرجاع تفرعهم الجيني عن رجل واحد كان يعيش قبل  (60-140) ألف سنة. ولكن حدث أن ظهرت عينة لرجل أمريكي من أصل أفريقي توفي حديثاً، وباختبارها وُجد أن تفرعها الجيني لا يطابق هذا التقدير، بل ظهر أنه أسبق في تفرعه عن رجل أكثر قدماً من التقديرات السابقة، ودلت التقديرات على أنه ربما يمتد وجود ذلك الرجل الأقدم على الأرض إلى 340 ألف سنة. 

(مصدر الخبر - : New Scientist - Life - Updated 15:17 13 March 2013
http://www.newscientist.com/article/dn23240-the-father-of-all-men-is-340000-years-old.html)


الدراسة الأصل:
"An African American Paternal Lineage Adds an Extremely Ancient Root to the Human Y Chromosome Phylogenetic Tree"
The American Journal of Human Genetics, Volume 92, Issue 3, 454-459, 28 February 2013
------------------------

الملاحق:


(1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لمّا خلق الله آدم و نفخ فيه الروح عطس فقال : الحمد لله فحمد الله بإذنه فقال له ربه : يرحمك الله يا آدم ! اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس فقل: السلام عليكم قالوا : و عليك السلام و رحمة الله ثم رجع إلى ربه فقال : إن هذه تحيتك و تحية بنيك بينهم فقال الله له و يداه مقبوضتان : اختر أيهما شئت قال : اخترت يمين ربي و كلتا يدي ربي يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم و ذريته فقال أي رب ! ما هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك فإذا كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه فإذا فيهم رجل أضوؤهم أو من أضوئهم قال : يا رب من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود و قد كتبت له عمر أربعين سنة قال يا رب زد في عمره قال : ذاك الذي كتبت له قال: أي رب فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة قال : أنت و ذاك ثم أسكن الجنة ما شاء الله ثم أهبط منها فكان آدم يعد لنفسه فأتاه ملك الموت فقال له آدم : قد تعجلت،  قد كُتب لي ألف سنة قال بلى و لكنك جعلت لابنك داود ستين سنة فجحد فجحدت ذريته و نسي فنسيت ذريته فمن يومئذ أمر بالكتاب و الشهود](صححه الألباني، الجامع الصغير وزيادته)، وللحديث ألفاظ أخرى.

(2) نميز باختصار هنا بين السنة الشمسية والسنة القمرية بأن لفظ "السنة" إذا لحقها في القرآن "مما تعدون فإنه تؤول إلى " السنة القمرية، وإذا لم يلحقها ذلك، لم تكن قمرية، ومن ثم فهي شمسية، كما جاءت في مدة لبث نوح في قومه " فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا "(العنكبوت:14)

(3) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان آدم نبيا مكلما ، كان بينه و بين نوح عشرة قرون ، و كانت الرسل ثلاثمائة و خمسة عشر "، الألباني " السلسلة الصحيحة " 6 / 358.

(4) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم." (رواه الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود ، وفيه زيادة ( الفتح الكبير2 / 99 ط مصطفى الحلبي )، أو: صحيح مسلم بشرح النووي 16 / 318 نشر دار القلم). وقال النووي:"إن الصحيح الذي عليه الجمهور أن كل مسلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة فهو من أصحابه". وأصح ما قيل في معنى الحديث (نُسب إلى "شهر"): أنه " قرنه ما بقيت عين رأته، والثاني ما بقيت عين رأت من رآه ثم كذلك (أي أن القرن الثالث هو قرن من رأى من رأى من رآه)" . وقد أجمع الجمهور على أن قرن الرسول صلى الله عليه وسلم هم معاصروه، أي الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وأن القرن الذي تلاه هو قرن التابعين، أما القرن الثالث فهو قرن تابعي التابعين. فالقرن إذاً ليس متوسط الفترة بين الآباء والأبناء، وإنما الفترة بين عصرين من الناس لم يلتقي خلالها أهلوهما إلا ما كان من كهولة السابق، ومولد اللاحق. ومعلوم أن القرن الثالث، أي: تابعي التابعين، قد دخلوا المئة الثالثة، مما يعني أن القرن هو الفترة بين الأجيال غير المتداخلة لأغلب الناس. ونُقدّر لذلك أنه العمر المتوسط للإنسان، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين و أقلهم من يجوز ذلك"، وعليه يكون مدة القرن في أمة محمد هو 65 سنة (قمرية). ولكنها في الأمم السابقة الأطول أعماراً بقدر متوسط أعمار أهلها.

(5) "العمر المتوسط للإنسان": لنفهم معنى العمر المتوسط للإنسان، نقول أنه في الظواهر الإحصائية، تتشتت آحاد الظاهرة عن متوسطات محددة. وتخضع المتوسطات إلى سنن الظاهرة وطبيعتها. ورغم تشتت آحادها تشتاً يلبس على الناظر في الظاهرة وجود سنة مستبطنة تتحكم بالظاهرة، إلا أن السنن التي تتحكم بالظاهرة حتمية وضرورية، وتعمل عملها في تلك المتوسطات، وقبل أن تتشتت الآحاد لأسباب عارضة. ومثال ذلك درجة الحرارة على سطح الأرض. فبالرغم من كونها من أصعب الظواهر في التنبؤ بها، إلا أن متوسط حرارة الأرض مقدر تقديراً دقيقاً، وما حدث من زيادته بدرجة مئوية واحدة سبب ما يُسمى بظاهرة الانحباس الحراري التي بدأ كوكب الأرض بكل ما عليه يعاني منها. ومع زيادة درجتين ستتضاعف المصاعب بشدة، أما لو وصلت الزيادة إلى 6 درجات مئوية، فستحدث كوارث بيئية وتغرق أراضي مدن ساحلية لا يعلم عددها إلا الله تعالى. وبيت القصيد هنا أن غير البصير قد لا يرى الاختلاف في درجة الحرارة 6 درجات بالشيء الخطير. وذلك إذا قاسه على تغيرات درجات الحرارة في أي مكان بعينه على الأرض، وربما يتساءل ويقول: الفرق بين حرارة الصيف وبرودة الشتاء يصل إلى 50 درجة مئوية، فما الضرر من تغير 6 درجات؟ - والحقيقة أن تغيرات درجة الحرارة على المواقع المختلفة على الأرض يكون بالتبادل، فالإرتفاع في درجة حرارة مكان يقابله انخفاض في مكان آخر، فيظل المجموع هو هو. أما الاختلاف 6 درجات في متوسط درجة حرارة الأرض يعني أن كل درجات الحرارة المنخفضة والعالية سترتفع بهذا القدر، وهذا يعني أن سطح الأرض في مجمله سيتحمل كم هائل من الطاقة الحرارية عما كان يتحمله من قبل. ومن هنا نستشعر حجم الكارثة.

وتشبه العلاقة بين أعمار الإنسان في زمن ما، في تفاوتها الظاهر ومتوسط عمر الإنسان، العلاقة بين تفاوات درجة الحرارة على الأرض والثبات المفترض لمتوسط درجة حرارة الأرض. وما قصدناه بتناقص العمر المتوسط للإنسان يعني أن كل الأعمار مهما تفاوتت ستعاني من نفس التناقص، ومن ثم تنقص كل الأعمار، وعليه نأخذ هبوط متوسط الأعمار في زمن ما كمؤشر نقيس من خلاله تناقص العمر للناس جميعاً. أنظر الشكل الآتي:


(6) بمعنى أنه إذا كان قرن آدم 1000 سنة، فالقرن الذي يعقبه لا يقل عنه إلا سنة واحدة على الأقل، فتكون فترة القرن الثاني هي الـ 999 سنة اللاحقة، على أقل تقدير، أي أننا لن ننزل إلى مستوى كسور السنة، والذي يليه لا يقل في أدنى حساب أيضاً إلا سنة واحدة، فيكون 998، وهكذا. ونقرر أن هذا صحيح فقط في القرون العشرة الأولى لتسارع هبوط أعمارها. حيث أنه يتحقق في بداية دالة التناقص اللوغاريتمي أعلى معدل تناقص مقارنة بأي مرحلة بعدها. والحقيقة أن هذه الدالة قامت في الأساس على أن معدل تناقصها يتناسب مع قيمتها. وحيث أن قيمتها الأولى أعلى قيمة، يكون معدل التناقص في البداية في أعلى قيمة له؟

وهذا المنهج الحسابي يضع الحد الأدنى في تفاوت أعمار القرون المتتابعة الممكن التعامل معه كمياً. ولو شئنا لذهبنا إلى أقل من ذلك، وإذا فعلنا، لما كان من فائدة من وضع حد أدنى في فروق أعمار القرون المتتابعة، ولجعلناها أدق وأدق بلا نهاية، وعندئذ يستغرق الانتقال من عمر قدره 1000 عام إلى عمر قدره 63.1 عام عدد لا نهائي من السنين.

(7) قال تعالى "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ"(العنكبوت:14). ونلفت الانتباه إلى أن ورود عمر نوح عليه السلام في التوراة 950 سنة على التمام، يجعل من تساوية القيمة مع ما جاء في القرآن محل تساؤل، أهي حقاً مدة لبث نوح في قومه قبل الطوفان، أم أنها مدة لبثه في الناس، حيث أن من آمن معه أيضاً من قومه؟! ولكن انتهاء الآية بقوله تعالى " فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ " تميل مع الرأي القائل أن المقصود هنا بقومه فقط الذين كذبوه، وهو الأغلب. لذا، سنترك عمر نوح مفتوح القيمة، ولكن سنجعله أقل من عمر آدم، وإلا لما كانت الدالة متناقصة. وقد يقال: وماذا لو كان عمر نوح أطول من عمر آدم كتفاوت إحصائي، بما لا يمنع أن الدالة حقاً متناقصة على مجموع آعمار الناس من قومه مقارنة بالقرون العشرة الأولى. نقول: إن هذا الأمر محتمل، وإذا كان هو الحاصل، فالقيمة التي تعنينا هنا لن تكون مقصود لذات عمر نوح، بل لمتوسط أعمار أمة نوح، والتي يجب أن تكون أقل من متوسط الأعمار في القرون العشرة الأولى على التدريج.

(8) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين و أقلهم من يجوز ذلك"، قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 1073 في صحيح الجامع.

(9) الدالة اللوغاريتمية دالة تتناقص على الدوام، إلا أن معدل تناقصها عند قيمة ما لها يتناسب مع تلك القيمة. فإذا كان عمر الإنسان الأول هو أعلى قيمة لعمر الإنسان، فمعدل التناقص بين قرنه والقرن الذي يليه أعلى معدل لتناقص الدالة اللوغاريتيمة على الإطلاق. وبعد عدد من القرون سيكون العمر قد تناقص إلى قيمة أقل من القيمة الأولى، وسيؤدي هبوط القيمة (العمر) إلى أن يصبح معدل التناقص أقل مما كان عليه أول الدالة، وتكون النسبة بين معدل تناقص قيمة الدالة والقيمة نفسها دائماً على نسبة واحدة بعينها، وهذه النسبة هي الثابت الذي أسميناه (μ). وهذا التوصيف هو المعبر عنه بالمعادلة التفاضلية الآتية:




والتي تؤول إلى:

ثم تؤول إلى:

وهي معادلة تفاضلية شهيرة حلها هو المعادلة:


وهذا هو الحل الذي استخدمناه أعلى:

(10) وذلك على نحو الحدين (الستين والسبعين) اللذين وضعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي بين الستين والسعبين)، فكانت هاتان القيمتان هما الحد الأدنى والحد الأقصى للغالب من الأعمار. ومعلوم أنه لا يتساوى جميع الأفراد في عمر واحد، لذا فإنها تختلف من فرد لآخر، وأن الاختلاف يعود للتعدد. أما في مسألتنا في هذه الدراسة، والتي هي تعيين عمر البشرية ، فإننا لا نستطيع القطع بقيمة واحدة – رغم أنه لا يوجد إلا قيمة واحدة فقط لعمر البشرية- والسبب عندنا أننا نفتقر إلى المحدد المعرفي الذي يعين تماماً المنحنى الحقيقي لتناقص عمر الإنسان، وذلك بين الحدين اللذان قررناهما، ونقصد المنحنى الأدنى والمنحنى الأقصى في شكل (2) أعلى. فكان مرد الحدين اللذين وضعهما رسول الله كون مسألة أعمار أمته مسألة احتمالية إحصائية، أما في مسألتنا فالحدان يعودان إلى كون مسألة عمر البشرية مسألة احتمالية لغياب المعلومات التامة التي تعين العمر تعيناً حاسماً. فكانت التنيجة احتمالية في كلا المسألتين، ولكن لعلتين مختلفتين؛ الأولى لتعدد آحاد المسألة، والثانية لتعدد الممكنات التي لا نستطيع الحسم بينها. فكان حل للمسألتين حلاً واحداً لكونهما احتماليتان، وجاء الحل بتضييق نطاق النتيجة إلى أدني مدى ممكن. فكان المدى عند رسول الله يبدأ بالستين وينتهي بالسبعين، وفي حالتنا كان المدى يبدأ بـ 520,000 سنة كحدٍّ أدنى لعمر البشرية، ويصل إلى 2,700,000 سنة كحدٍّ أقصى.

(11) وفي حديث مشابه قال صلى الله عليه وسلم في نهاية خطبة له في الناس: ".. ألا وإن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر فلما كان عند مغيربان الشمس ، قال : إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها كمثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه "(مسند أحمد)

وفي لسان العرب، قال ابن منظور في (مغيربان الشمس): [عند غروبها ... (أو) ... إلى وقت مغيبها]

وفي حديث آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم [خطب أصحابه ذات يوم وقد كادت الشمس أن تغرب فلم يبق منها إلا يسير فقال : "والذي نفسي بيده ما بقى من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقى من يومكم هذا فيما مضى منه."، وما نرى من الشمس إلا يسيرا.(مسند البزار)]

وفي حديث آخر: "قال:وجَعلنا نلتفت إِلى الشمس. هل بقي من النهار شيء ؟ فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : أَلا وإنه لم يَبْقَ مِن الدنيا فيما مضى منها إِلا كما بَقِيَ من يومكم هذا فيما مضى منه". أخرجه الترمذي."
وفي حديث آخر: [حتى إذا كانت الشمس على رأس النخل وأطراف الحيطان ، فقال (صلى الله عليه وسلم): أما إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها ، إلا كما بقي من يومكم هذا]( شرح السنة للبغوي)

وفي حديث آخر: [عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مثل هذه الدنيا مثل ثوب شق من أوله إلى آخره فبقي متعلقا بخيط في آخره فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع (شعب الإيمان للبيهقي)]

(12) في الحقيقة، إن هذا الحد الذي وضعناه لعمر نوح عليه السلام؛ أي 990 سنة، هو حدٌ وضعي، أي وضعناه متعمدين من عند أنفسنا لسبب هام سيتضح الآن، ومن الممكن أن ينزاح لأعلى من ذلك، أي يقترب من عمر آدم عليه السلام، ولكن يجب ألا يساويه فضلاً عن أن يتخطاه، أي أن حده الأعلى هو عمر آدم. أما السبب فهو أن اقتراب عمر نوح (باعتباره ممثلاً لعمر الإنسان المتوسط في القرن الإنساني الحادي عشر) من عمر آدم، سيعمل على مزيد من التباطؤ لدالة التناقص في عمر الإنسان، وهذا سيؤدي إلى أن يكون عمر البشرية أطول من 2.7 مليون سنة. وكلما اقترب عمر نوح من عمر آدم يكون الفرق بينهما (بعد قسمته على 10) هو الفرق بين عمر كل قرنين إنسانيين متتاليين. وإذا كنا قد جعلنا هذا الفرق سنة واحدة، فمن الممكن أن يكون - رياضياً - أقل من ذلك حسب مشيئتنا الرياضية. ولو حدث وتساوى عمر نوح وآدم فهذا يعني أن عمر الإنسان لا يتناقص، وتصبح الدالة عندئذ ثابتة القيمة، ومن ثم يؤول عمر البشرية إلى ما لا نهاية له من الزمن. لذا وجب وضع حد أعلى لعمر البشرية، والذي يكافئ رياضياً وضع حد أدنى للفرق بين أعمار الأمم الإنسانية المتتالية. وقد اخترناه هنا أن يكون سنة واحدة، ويتبعه أن يكون عمر البشرية الأقصى 2.7 مليون سنة. أما السبب في اختيار هذا الحد (الوضعي) فهو عدم التداخل بين وجود آدم على الأرض وتلك الكائنات الشبيهة بالإنسان Hominins (مثل لوسي التي قُدِّر عمرها بـ 3.2 مليون سنة) والتي نفترض أنها كانت سابقة على وجود الإنسان على الأرض وأنها كانت في نهاية تواجدها، خاصة وأن هذه الكائنات كانت في مثل أحجام الإنسان المعاصر أو أقل قليلا. لذلك، لا غبار على من يضع فرضيات أخرى للحد الأعلى لعمر البشرية، ومن ثم للفرق بين أعمار القرون الإنسانية المتتابعة غير ما وضعنا من حد. ونؤكد على أنه لا توجد علاقة مباشرة بين النص القرآني وهذا الحد الوضعي. إلا أن هناك علاقة غير مباشرة، وذلك أننا نفترض أن الكائنات الشبيهة بالإنسان قد سبق وجودها وجود الإنسان، ويعضد هذا الافتراض تأويل آية قرآنية أخرى سنتناولها في دراسة لاحقة، إن شاء الله تعالى، تلقي مزيداً من الضوء على هذه المسألة.

(13) ذهب الدكتور "صبري الدمرداش" إلى أن عمر البشرية 40-41 ألف سنة فقط، وقد ذكر ذلك في أكثر من مناسبة، منها ما كان في لقائه مع الدكتور محمد العوضي في برنامج تلفزيوني عن الإعجاز العلمي في القرآن على فضائية الراي (3 حلقات)، ومنها محاضرة له بعنوان "خلق أبونا آدم"، وكلا المصدرين على اليوتيوب، واستند الدكتور الدمرداش في تقدير هذا العمر للبشرية على ما قال أنه "شجرة الأنبياء". وفصّل قليلاً وقال أن بين آدم ونوح عليهما السلام 20 ألف سنة، وبعد نوح 20 ألف سنة. ونقول أن المصدر الوحيد والمعروف لهذه المعلومات هو التوراة التي بين يدي اليهود. وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديقهم، دون تكذيبهم إلا فيما علمنا عليهم فيه كذباً من كتاب ربنا وما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا كان الأمر كذلك، فلا يجب اعتماد ما عندهم من تأريخ للأنبياء على أنه مما يعتد به كمعرفة موثقة. ومن ثم يسقط كل ما يُبنى عليه، ومنه هذا العمر للبشرية الذي قيل أنه يترواح حول الأربعين ألف سنة كما قال الدكتور صبري الدمرداش. كما أن هذا التقدير لا يتأيد بأي مصدر شرعي مستقل في الإسلام، ومن ثم فهو مردود.


(14) من تداعيات الظن بأن عمرالبشرية بضعة آلاف من السنين، أخطاء علمية جسيمة!: 

إضافة بتاريخ 23/ 12/ 2014:

ظن علماء الإسلام - كما ظن غيرهم - أن عمر البشرية بضعة آلاف من السنين، سبعة آلاف مثلاً أو أكثر بعض الشيء، وبنى بعضهم على ذلك استدلالات علمية غير صحيحة بالضرورة. ومن ذلك ما قاله أبو حامد الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال"، عندما دافع عن النبوة وقال أن من أدلة وجود النبوة:

[وجود معارف في العالم لا يتصور أن تنال بالعقل، كعلم الطب والنجوم، فإن من بحث عنها علم بالضرورة أنها لا تدرك إلا بإلهام إلهي، وتوفيق من جهة الله تعالى، ولا سبيل إليها بالتجربة فمن الأحكام النجومية ما لا يقع إلا في كل ألف سنة مرة، فكيف ينال ذلك بالتجربة؟ وكذلك خواص الأدوية. فتبين بهذا البرهان، أن في الإمكان وجود طريق لإدراك هذه الأمور التي لا يدركها العقل، وهو المراد بالنبوة، لا أن النبوة عبارة عنها فقط، بل إدراك هذا الجنس الخارج عن مدركات العقل إحدى خواص النبوة، ولها خواص كثيرة سواها. وما ذكرنا فقطرة من بحرها، إنما ذكرناها لأن معك نموذجاً منها، وهو مدركاتك في النوم، ومعك علوم من جنسها في الطب والنجوم، وهي معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا سبيل إليها للعقلاء ببضاعة العقل أصلاً.](المنقذ من الضلال، تحقيق جميل صليبا وكامل عياد، ط7 - دار الأندلس، بيروت، 1967، ص112. )


نقول: إذا كان عمر البشرية مئات الآلاف من السنين وليس بضعة آلاف كما ظن أبو حامد الغزالي، سقطت هذه الإفادة، من أن المعارف القديمة بالنجوم والطب مصدرها الوحيد هو النبوة، هكذا بالإجمال، وأنه لا مجال للخبرة والتجربة فيها لقصر الأعمار دون تحقيق ذلك،  -كما هو واضح من كلامه -. وهذه المئات من آلاف السنين فيها من السعة ما يكفي الإنسان أن تتراكم عنده من الخبرات في علم الطب والنجوم الكثير من نوع ما استشكله الغزالي.

ولا يعني ذلك خلو النبوة - وما أتي به الآنبياء، عليهم صلوات الله - من وحي يحتوي إفادات معرفية يُعلِّم الله تعالى بها الناس، أو يستشهد على وحيه سبحانه بها، مثلما أخبرنا - جل في علاه- عن شراب النحل وقال سبحانه "فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ"، ومثلما أخبرنا عن الشمس والنجوم، وقال سبحانه "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا"، "وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى" .. إلى غير ذلك من عشرات الآيات.

فالغرض من هذا الإلحاق نفي قصْر المعارف على النبوة لعلة قصر عمر البشرية، كما جاء في كلام أبي حامد الغزالي. والتي إذا علم أنها ليست بالقصيرة تسقط حجة من احتج بها. وليس الغرض نفي احتواء النبوة على معارف فوق طاقة البشر أن يعلموها، سواء في عالم الشهادة أو عالم الغيب، والذي هو من أصول الإيمان في الإسلام، نقول ذلك لألا يستشهد أخرق من العابثين،على غير معنى كلامنا.

هذا والله تعالى أعلم،،،

0 comments:

إرسال تعليق

روحانيات وعلوم

بحث هذه المدونة الإلكترونية

Recent Posts

Popular Posts

قائمة المدونات الإلكترونية

Unordered List

Text Widget

أرشيف المدونة الإلكترونية

بحث هذه المدونة الإلكترونية

يتم التشغيل بواسطة Blogger.