الأحد، 17 يونيو 2018

النسبه الذهبيه والكون

النسبه الذهبيه والكون 
 1.618


إنها نسبة رياضية عجيبة (شكل (1)). كلما نقَّبت عنها وجدتها – أو حولها - في كثير مما خلق الله تعالى من شيء! فإن سعيت للقبض عليها زاغت وانزلقت من أيسر طريق! لماذا؟ لأنها عدد أصم، بمعنى أنك تستطيع دائماً حصر قيمتها بين قيمتين، عليا وسفلى، لكن مهما حاولت تضييق الخناق عليها باقتراب هاتين القيمتين منها تحيرت قيمتها بينهما بما لا يعلم إلا الله مآلها الحقيقي، هذا إن كان لها من مآل!

ولكن العجيب ليس في أن النسبة الذهبية عددٌ أصمٌ، فالأعداد الصمّاء كثيرة، ومنها مثلاً العدد (2) و (5√). بل العجيب أن النسبة الذهبية (ويرمز له في الأدبيات بالرمزφ ويُنطق فاي) تتواجد هنا وهناك، وحيثما نتوجه بأنظارنا، وفي أشياء يصعب الربط بينها.



ونجد لذلك إحالات لأمثلة ربما لا تنتهي:

- ففي تركيب جسم الإنسان، نجد هنا بعض الأمثلة (دون الكل): 


وفي الطبيعة والخلق:


ونمو النباتات:



حيث تتبع في نموها النسبة الذهبية  φ  ولا تتبع ثوابت أخرى مثل  e، أو  π،  والتي لو تبعتها لتغيرت طرق نموها عما نراه في الخليقة، كما بالشكل التالي:


ونجد نفس النسبة في هندسة الأبنية التي تجاوزت آفاق التاريخ:


كما نجدها في الأعمال الفنية ذائعة الصيت عبر القرون:


أما في التصميم الصناعي، فيتبارى المصمون في استخدامها:


أما في الهندسة، فما أكثر أمثلتها، وهنا بعضٌ منها:



أما حسابياً وجبرياً، فالنسبة الذهبية دالة تقاربية، مثلها مثل كثير من الدوال التقاربية، غير أنها أبعدهم (أي أبطأهم) تقارباً على الإطلاق!!!
و تعتبر النسبة الذهبية بسبب هذه الصفة بشكل خاص دالة فريدة لا تدانيها أي دالة أخرى على الإطلاق. وهذا ما جعلها دالة متميزة بشكل لا مثيل له!!! وأكسبها الصفات التي رأيناها أعلى في كل مناحي التطبيقات. وللمزيد عن النسبة الذهبية، يمكن مشاهدة هذا التوثيق المعرفي الشيق:


أو الاطلاع على عدد من الأفلام الوثائقية على اليوتيوب، مثل ما نشير إليه في الحاشية رقم(1):


العلاقة المُدّعاة بين النسبة الذهبية والكعبة المُشرفة:

نطلع أولاً على هذا الفيلم الوثائقي(2)، وهو فيلم تركي الأصل واللغة، وقد ترجمته الجهة التي أصدرته(3) إلى عدة لغات، ومنها العربية:




ونقتطع من هذا الفيلم تلك العبارات [مع ترقيمها للإحالة إليها]، ونُعقِّب عليها:

[1] [إذا تساءلنا: أين نقطة النسبة الذهبية لكرتنا الأرضية؟ فسنجد أن نسبة بُعد مدينة مكة المكرمة عن نقطة القطب الجنوبي، إلى بعدها عن نقطة القطب الشمالي، هي 1.618 تماماً. أي النسبة الذهبية. وزيادة على ذلك فإن نسبة البعد بين القطبين إلى بُعد مدينة مكة المكرمة عن نقطة القطب الجنوبي هي أيضاً 1.618. ولا تنتهي المعجزات بذلك، لأنه حسب خارطة الطول والعرض التي يحدد البشر من خلالها الأماكن، فإن نقطة النسبة الذهبية، تتواجد في مدينة مكة، أيضاً فإن نسبة بُعد مكة المكرمة من جهة الغرب إلى خط التوقيت اليومي إلى بعدها الشرقي إليه، هي 1.618، وبشكل يبعث على الاندهاش، نرى أن الرقم 1.618 أي النسبة الذهبية، هي نفس نسبة البعد المحيطي لخط عرض الكرة الأرضية (المار بمكة) إلى بُعد مكة من الجهة الغربية عن خط التوقيت اليومي.]

نقول: يمثل الشكل الآتي الخلاصة البيانية لهذه الفقرة:


من المؤآخذات، أو المسائل، على هذه الفقرة: 

[1-1] المسألة الأولى من الفقرة الأولى: قوله: " نسبة بُعد مدينة مكة المكرمة ... هي 1.618 تماماً. أي النسبة الذهبية. ".... وهذا التعبير صحيح على التقريب، ولكنه ليس صحيحاً على التحقيق؛ بمعنى أنه قام بتقريب النسبة الذهبية حتى الرقم العشري الثالث، وهذا الإجراء – مع عدم التصريح به – يفقد المسألة التي يتناولها دقة كبيرة، قد تضيع تبعاً لذلك فائدتها العلمية من جهتين، الأولى: أنه سيستخدم هذه النسبة في قياس مسافات تقدر بنصف محيط الكرة الأرضية، والتي تتجاوز قليلاً 20 ألف كيلومتر، ومع درجة التقريب المشار إليها – أي إسقاط الرقم العشري الرابع - فسوف ينتج عن هذا التقريب خطأ نظري قدره ±10 كيلو متر، أي أن موقع الكعبة سيحقق مراده حتى وإن أشارت الحسابات إلى أي موقع داخل دائرة نصف قطرها 10 كيلومترات يقع مركزها عند موقع الكعبة المشرفة الحقيقي. وهذا تجاوز كبير لا يمكن قبوله بسهولة، ولهذه المسألة عودة لاحقة.

أما الجهة الثانية لسلبيات هذا التقريب أنه قام بتحويل النسبة الذهبية من رقم أصم irrational لا تنتهي أجزاؤه العشرية، ولا يمكن كتابته على صورة كسر رياضي، وصورته العشرية غير المنتهية هي ( ........1.6180439887) وقيمته الحقيقية هي ([1+5√]/2) إلى رقم منطقي تنتهي أجزاؤه العشرية عند الرقم العشري الثالث، ويمكن كتابته على صورة كسر رياضي هو 1618/1000. وهذا الإجراء يفقد النسبة الذهبية قيمة علمية قد تكون هي العلة الحقيقية في علاقة الرقم الذهبي بموقع الكعبة المشرفة – وذلك في حالة ثبوتها!

وهذان الوجهان والناتجان عن التقريب المشار إليه، سينتج عنهما إشكالات خطيرة تؤثر سلباً على دعوى الإعجاز التي نحن بصددها، على نحو ما سنرى لاحقاً.



[1-2] المسألة الثانية من الفقرة الأولى: إذا كان موقع مكة المكرمة يحقق النسبة الذهبية ...1.618 بين بعديها إلى القطبين الجنوبي والشمالي على التوالي، فحتماً لا بد وأن تكون نسبة المسافة بين القطبين إلى المسافة بين مكة والقطب الجنوبي هي أيضاً النسبة الذهبية، ولو لم يكن الأمر كذلك لما كانت تلك النسبة ذهبية أبداً، ويفهم من قوله: (وزيادة على ذلك ) وكأنه يفيد بإضافة جديدة، والحقيقة أن هذه الإضافة ليست إلا تحصيل حاصل، حيث يجب – إذا كانت النسبة ذهبية بالفعل - أن يتحقق تساوي نسبة البعد بين القطبين إلى بعد القطب الجنوبي عن مكة مع النسبة الذهبية، إذا تحققت النسبة الأولى التي هي بعد مكة عن القطب الجنوبي إلى بعدها عن الشمالي.
وهذا ما يوضحه الشكل الآتي:




إذا كانت النسبة (ب/أ) هي النسبة الذهبية، فحتماً يجب أن تكون النسبة (ج/ب) أيضاً النسبة الذهبية، وذلك لأن هذا هو شرط إنتاج النسبة الذهبية:



ولإثبات ذلك سنبدأ من هذه المتطابقة وننتهي بإيجاد النسبة التي تحققها، وسنجد أنها النسبة الذهبية:      
  ب/ا = ج/ب = (أ+ب)/ ب



ومن ذلك نحصل على المعادلة:           ب2– أب – أ2 =0



فإذا وضعنا (أ = 1)، تكون النسبة المطلوبة هي (ب/أ = ب)



وعلى ذلك نضع (أ=1) ، ونسعى لحل المعادلة لإيجاد قيمة ب، فتصل إلى الصورة:



ب2– ب –1 =0



وهذه معادلة من الدرجة الثانية، ونحصل على حلها ببساطة باستخدام طريقة إيجاد جذور المعادلة من الدرجة الثانية التي يتعلمها طلبة المدارس المتوسطة/الإعدادية، وهي: 






وبتطبيق ذلك (علماً بأن (ب) هي المجهول ( x) وأننا مهتمون فقط بالقيمة الموجبة فقط)، وبتطبيق ذلك نحصل على الحل المطلوب (النسبة الذهبية):



ب = (1+5√)/2 = ........1.6180439887



وعلى ذلك، لم يكن هناك أي زيادة، وأن المتطابقة التي ذكرها صاحب الفيلم كانت معلومة لازمة عما سبق من إفادة سنقوم الآن بتحقيقها.



[1-3] المسألة الثالثة من الفقرة الأولى: من اليسير أن نتحقق بالفعل إذا ما كان موقع الكعبة المشرفة يعين النسبة الذهبية بين القطبين الشمالي والجنوبي، وإذا كان هناك حيود عن ذلك، فيمكننا إيجاد مقداره؟

-         تقع الكعبة المشرفة (إذا اعتبرنا موضع الحجر الأسود تحديداً) على خط عرض (عشري) 21.422490 شمال خط الاستواء (المصدر: Google Earth)، وقد يكون من الأنسب اعتبار مقام إبراهيم هو الموقع النقطي (تأويلاً لقول الله تعالى "فيه آيات بينات مقام إبراهيم")، غير أن المقام قد نقل من مكانه أيام أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه لتيسير الطواف وتفادي الزحام، حيث كان أقرب إلى الكعبة أو ملاصقاً لها. (مرجع)

-         ولكن، يمكننا تعيين خط العرض الذي يُقسِّم/يقطع الأرض ما بين القطبين مقطعاً ذهبياً Golden Sector، ويتحقق بذلك لكل النقاط الواقعة على هذا الخط صفة الموقع الذهبي بين القطبين، لتماثل الأرض حول محور دورانها (أي الخط الواصل بين القطبين وماراً بمركز كرة الأرض). وحيث أننا نعلم أن عدد خطوط العرض بين القطبين هي 180 درجة، ولكي يكون خط العرض المطلوب مقطعاً ذهبياً بالفعل، فيجب أن يكون عدد الخطوط بينه وبين القطب الجنوبي إلى عدد الخطوط بينه وبين القطب الشمالي تساوي النسبة الذهبية. فإذا كانت القيمة العددية لهذا الخط الفاصل شمال خط الاستواء هي (ذ) فلا بد أن يكون لدينا (راجع شكل (11) أعلى):

                                      ج/ب    = النسبة الذهبية

أي:               180/(ذ+90) = 1.6180439887

أي أن:           ذ = (180/1.6180439887)– 90

ومن ثم:                   ذ (خط العرض الذهبي) = 21.24543

ولكن هذا الخط لا ينطبق على خط عرض الكعبة عند الحجر الأسود والذي حصلنا عليه أعلى وقدره 21.422490

والفرق بينهما = 21.42249 - 21.24543 = 0.17706 درجة

ولما كانت المسافة بين القطبين هي 20000.4 كيلومتر موزعة على 180 درجة

فالمسافة بين خط عرض الكعبة وخط العرض الذهبي =0.17706 * 20000.4 / 180
= 19,674 كيلومتر

وهذا الفرق كبير للغاية! ويبعث الشك في الادعاء بتحقق النسبة الذهبية لمدينة مكة، ولإظهار موقع الخط الذهبي الحقيقي وأنه يقع بالفعل في أحد الأودية جنوب مكة ، حيث لا عمران، إضافة إلى كونه خارج تماماً عن نطاق الحدود الشرعية التي حدها رسول الله صلى الله عليه وسلم للحرم (الحدود الشرعية للحرم والمعلمة بالعلامات المعروفة لها، ويجدها من يزور مدينة مكة على مداخل المدينة)، نقوم بتعيين الخط الذهبي الذي يطابق النسبة الذهبية الصحيحة جغرافياً، ويتبين من الشكل الآتي أنه يقع جنوب مكة المكرمة وموضعه من الكعبة ومن حدود الحرم المكي كما هو مُبيَّن.


وأما عن القول بأن الموقع الذهبي المطلوب يقع على خط طول مكة بين الشرق والغرب، فهذا يصل بنا إلى المسألة الثالثة.

[1-4] المسألة الرابعة من الفقرة الأولى: قوله: "حسب خارطة الطول والعرض التي يحدد البشر من خلالها الأماكن، فإن نقطة النسبة الذهبية، تتواجد في مدينة مكة، أيضاً فإن نسبة بعد مكة المكرمة من جهة الغرب إلى خط التوقيت اليومي إلى بعدها الشرقي إليه، هي 1.618، وبشكل يبعث على الاندهاش، نرى أن الرقم 1.618 أي النسبة الذهبية، هي نفس نسبة البعد المحيطي لخط عرض الكرة الأرضية (المار بمكة) إلى بُعد مكة من الجهة الغربية عن خط التوقيت اليومي."

نقول: مرة أخرى يقع أخونا الإعجازي في نفس الخطأ، فلو كان البُعد الغربي لمكة نحو خط التوقيت اليومي إلى البعد الشرقي هو النسبة الذهبية، فحتماً تكون نسبة محيط الأرض (عند نفس خط العرض) إلى البعد الغربي نفسه هي النسبة الذهبية ذاتها، وليس هناك أي شيء يدعو للاندهاش البتة، بل إن التصريح بهذا الاندهاش هو الباعث الحقيقي على الاندهاش من جهتنا، لأنه يعني ببساطة أن صاحب هذا الكلام غير مُلِم بالتفاصيل الفنية للنسبة الذهبية!

أما الطامة الكبرى حقاً فهي قول القائل بأنه "حسب خارطة الطول والعرض التي يحدد البشر من خلالها الأماكن!"، أو اعتماداً على خط التوقيت الدولي (خط طول 180) - الذي هو مواضعة واتفاق يتم الرجوع إليه لقياس النسبة الذهبية بين الشرق والغرب! فالمواضعة البشرية - المتبدلة دوماً - ليست أصلاً يبنى عليه حقائق الخلق وحكمة الخالق في اختيار موقع البيت الحرام وما شاكله من أمور توقيفية من الشرع، فما أقره الشرع أصبح شرعياً، وما سكت عنه فالمصلحة وحدها تُرجِّحُه، ولا يقوم إعجاز إسلامي على اتفاقات البشر، بما يسقط معه الإعجاز إذا اتفقوا على خلافه. وقد كان مرجع قياس خطوط الطول في القرون الوسيطة خط جزر الخالدات في المحيط الأطلنطي للأقاليم الغربية، أما الشرقية فكان خط (الأرين) في الهند هو مرجع القياس، على ما بين الخطين من خطأ. أما الآن فأصبح قياس خطوط الطول يبدأ من خط جرينتش، وما يقابله من خط (180) أصبح بداية الانقلاب اليومي على الأرض، رغم أنه اتفاقي وغير منضبط في اعتماده ويخضع لاعتبارات الدول الواقعة على هذا الخط، مثلما هو الأمر في النطق الزمنية التي تقدرها كل دولة - بُحُرِّية تامة - بالتقديم والتأخير ساعة ونادراً ما يكون نصف الساعة.

ومع ذلك، فـلو افترضنا صحة هذا الادعاء، فيمكننا اختبار انطباق موقع البيت الحرام على الخط الذهبي القائم على خط التوقيت الدولي (خط 180) من عدم انطباقه. ومثلما فعلنا في إيجاد خط العرض الذهبي أعلى، يمكننا إيجاد خط الطول الذهبي باعتماد خط 180 مرجعاً، وباعتبار أن قيمة هذا الخط هي (ط)، فلكي يصبح خطاً ذهبياً، يجب أن تتحقق له المعادلة الآتي:

                   360/(ط+180)  =  (1.6180439887)

ومنها يكون:    ط        =      (360/1.6180439887)-180

أي أن:           ط       = 42.490861 (خط طول عشري)

ولكننا نعلم أن خط الطول المار بالكعبة المشرفة (عند الحجر الأسود) = 39.826274 (جوجل)
والفرق بينهما = 2.664586888 درجة

أي أن خط الطول الذهبي يقع شرق مكة بمسافة = 2.664586888 * محيط الأرض/360

                                                          = 296.62 كيلو متر!!

نعم 296 كيلومتر تفرق بين خط الطول الذهبي المفترض أن يمر بمكة أو حدود الحرم لكي يحقق مراد صاحب الفيلم، ويتضح في الصورة الآتية هذا الخط الموهوم! – وحتى لو انطبق هذا الخط على موقع مكة أو الكعبة المشرفة بعينها، لما كان هذا مبرراً لأن اعتماد خط التوقيت الزمني للأرض – الذي قلنا أنه مواضعة بشرية - كمرجع لقياس رقم ذهبي اعتماد لا أصل له ديني أو طبيعي، لأن الأرض متماثلة بالنسبة لكل خطوط الطول، ومن ثم فليس هناك خط أولى من غيره.



أما بالنسبة لخطوط العرض، فيمكن صناعة خط ذهبي لها (أنظر شكل (14) أسفل) بالنسبة للقطبين لأنهما موضعان لا شك في تميزهما، وحول المحور المار بهما تدور الأرض. لذا فخط العرض الذهبي حقيقة، وإن كانت حقيقة نظرية، وهو الذي رسمناه جنوب مكة بمسافة حوالي 19,674 كيلو متر، ويوازي خط الاستواء، ولكنها حتى الآن حقيقة نظرية هندسية ليس إلا، وبنفس القدر الذي نستطيع به تقسيم مستطيل ما بنسبة ذهبية، لا يمنعنا من ذلك مانع، إلا ربما فقدان أدوات الرسم والكتابة!




ولكن، مهلاً!

من قال أن القطب الشمالي يجب أن يكون إلى الأعلى، ألم يكن الشرق قِبلة الاتجاهات الجغرافية على الأرض قبل اكتشاف البوصلة وأهميتها في الملاحة البحرية، على ما رأينا ذلك في دراسة سابقة لنا؟!

لذا، فمن الجائز أن يكون أيضاَ القطب الجنوبي إلى الأعلى، وعندها سيكون للأرض خط عرض ذهبي ثاني، ويقع جنوب خط الاستواء بنفس بُعد الخط الأول عنه، أي عندخط عرض 21.24543 جنوباً، وذلك للتماثل بين نصفي كرة الأرض الشمالي والجنوبي.

ولكن! قد يخاصمنا في ذلك خصم عنيد، ويقول: صحيح أن الأرض متماثلة بين نصفيها الشمالي والجنوبي، ومن ثم يكون لها خطي عرض ذهبيان، ولكن الأرض ليست ساكنة عن الدوران. بمعنى أن دورانها ناحية جهة بعينها يكسر التماثل بين شمالها وجنوبها، ويجعل للشمال تميز إذا كان الدوران ناحية أحد الجهتين متميز عن الجهة الأخرى. وذلك مثل العلاقة بين اتجاه التيار الكهربي في سلك كهربي ودوران المجال المغناطيسي حوله. فلو عكسنا اتجاه التيار انعكس اتجاه المجال المغناطيسي. وهذا ما يجعل الدوران كمية اتجاهية. وبالمثل في حالة الأرض، لو أن الدوران ناحية أحد الجهات كان له شرعية دينية دون الدوران ناحية الجهة الأخرى. فيذهب خصمنا العنيد، ويقول: إذا اصطلحنا في العلاقة بين اتجاه الدوران واتجاه الأعلى والأسفل نفس جهة الطواف حول الكعبة وكون السماء إلى أعلى، فسنكون قد طبقنا اصطلاحاً شرعياً، وعندها يكون الدوران جهة الطواف (عكس عقارب الساعة) مميز لجهة الأعلى. وعندها يكون دوران الأرض من الغرب إلى الشرق مميز لجهة الشمال أنه هو جهة الأعلى. وفقط في هذه الحالة الاصطلاحية الشرعية يكون لخصمنا حجة قد لا نستطيع مدافعتها! وعندها يكون للأرض خط عرض ذهبي واحد، وليس اثنين. إلا إذا..

إلا إذا قلنا: وما الذي يجعل الخط الذهبي أقرب إلى الأعلى، وليس إلى الأسفل. أليست النسبة الذهبية هي هي؟ فالخط الذهبي المار إلى الجنوب من خط الاستواء سيظل ذهبياً حتى ولو كان الشمال إلى أعلى. ولكن، سنتنبأ بأن خصمنا أشد ذكاءاً وسيخرج من هذا المأزق بسهولة إذا قال:

لا يبعد أن تُحسم هذه المسألة بالمماثلة بين الأرض وموقعها الذهبي من جهة، والإنسان وموقعه الذهبي من جهة أخرى. حيث الموقع الذهبي للإنسان هو موضع السُرّة، وهو الموضع الأكثر شهرة في جسم الإنسان من حيث المطابقة مع النسبة الذهبية، وهذا الموضع أقرب إلى رأس الإنسان من قدميه. ويوضح ذلك الشكل الآتي:



وتُذكرنا الآن هذه المقاربة بين "الإنسان" و"اليابسة على الأرض" بـما جاء في لسان العرب: [في حديث حذيفة: "لا ينزل سرة البصرة أي وسطها وجوفها من سرة الإنسان"] – وأيضاً في "النهاية في غريب الأثر" وفي "كنز العمال": [عن عبد الله بن عمرو قال: إذا أقبلت الرايات السود من المشرق والرايات الصفر من المغرب حتى يلتقوا في سرة الشام - يعني دمشق - فهنالك البلاء.]

إذا كان الأمر كذلك، فالذين قالوا أن مكة تقع في مركز الأرض(4) تأويلاً لما قيل من أنها في وسط الأرض، قد أخطأوا التأويل لا اللفظ. بمعنى أن مكة قد تكون بالفعل في وسط الأرض بمعنى سرة الأرض كما في اللغة العربية. لأن وسط الأرض الذي هو سرتها ليس بالضرورة المركز الهندسي مثلما الحال مع الدائرة والكرة، بل إن سرة الأرض هي البؤرة من الجسم، ولولا الصعوبات التي رأيناها حتى الآن في القول بتطابق مكة مع الموقع الذهبي مثلما أن سرة الإنسان تقسم طول الإنسان – إحصائياً – بالنسبة الذهبية، لكان هذا تأويلاً رائعاً. وليس مستغرب أن يكون وسط الأرض – بمعنى البؤرة منها - هو سرتها، لأن الشكل البيضاوي/الإهليجي يتخذ الدروان حول مركز له هو أحد بؤرتي الشكل كما هو الحال مع الكواكب حول الشمس. ومعلوم أن بؤرة الدوران ليست في المركز الهندسي، ووضعها من أبعاد الشكل يقارب وضع سرة الإنسان من جسده.

وخلاصة الأمر أن الأرض لها بالفعل خط عرض ذهبي (دائري بالطبع) مقداره هو  21.245430° شمال خط الاستواء، وموقعه من الأرض كما هو بالشكل (15)، .... ويحق لنا أن نتساءل: ألا توجد مواقع عامرة في الأرض يتفق موقعها مع هذا الخط؟


الإجابة المفاجئة هي أن مدينة الطائف تحقق هذه الإجابة – إضافة إلى عدد كبير جداً من المواقع الحضرية والأثرية التي يسهل حصرها على مستوى الكرة الأرضية – ويتضح في الصورة التالية (شكل (16)) كيف أن الخط الذهبي للأرض يمر بمدينة الطائف وسط العمران! فهل يضفي هذا الموقع لمدينة الطائف أي تميز؟ - هذا بالإضافة إلى أن الطائف أقرب إلى خط الطول الذهبي – الذي ادعاء صاحب الفيلم ، وإذا افترضنا جدلاً صحته.


[2] يقول صاحب الفيلم: [الأكثر من ذلك، أن نفس النسبة محققة بنفس العلاقات على القطر الممتد من أقصى الشمال الشرقي إلى أقصى الجنوب الغربي على امتداد خريطة العالم.]

يقصد صاحب هذه العبارة بذلك أن موقع مكة يحقق النسبة الذهبية على قطر خريطة العالم – شكل (17) التالي – ونثبت هنا مرة ثالثة أن هذا ليس إلا تحصيل حاصل لموقع النسبة الذهبية على كل من خط الطول وخط العرض، كلٌّ على انفراد– بفرض حصوله لموقع ما.


ودليل ذلك الهندسي أن الموضع عند نقطة (ص) إذا كان يحقق النسبة الذهبية على خط الطول (الرأسي) فهذا يتطلب أن يكون:
                                                (أ+ب) /ب = النسبة الذهبية

وإذا كان نفس الموضع يحقق النسبة الذهبية على خط العرض (الأفقي) فهذا يتطلب أن يكون:

                                                (ج+د) / د = النسبة الذهبية

ومن هاتين المعادلتين نحصل على:

                                                (أ+ب) /ب = (ج+د) / د

ولكن، هاتان النسبتان ليستا إلا نسبة ضلعين متقابلين في كل من المثلثين (مثلث س ل م) و(مثلث س ص ع)، وما دام أن الزاوية (م) زاوية قائمة في كل من المثلثين، فلا بد وأن يتماثل المثلثان، وينتج عن ذلك أن نسبة الضلع الثالث (س ل) في المثلث الصغير إلى الضلع (س ص) في المثلث الكبير هي نفس النسبة بين الأضلاع السابقة، (أي النسبة الذهبية). أي أن الموضع ص يقسم الوتر بين أقصى الشمال الشرقي وأقصى الجنوب الغربي بالنسبة الذهبية. ومن ثم فالنتيجة ليست إلا تحصيل حاصل، وليس هناك من فائدة جديدة!

اما إذا لم تكن (ص) – ومن ثم نقطة (ع) تقع على النسبة الذهبية على خط العرض (كما لاحظنا في حالة مكة)، 
إضافة أن خط الطول الذهبي الموهوم هو أيضاً فاسد الدليل، فلم يعد هناك من مثلثات ولا وتر ولا موضع ذهبي عليه، ومن ثم تسقط الحجة بوقوع مكة على الوتر ل س.

[3] يقول صاحب الفيلم: [رغم الانحرافات الصغيرة بعدة كيلومترات في كل أنظمة الخرائط، فإن نقطة النسبة الذهبية لا تخرج خارج مدينة مكة إطلاقاً، وتظل داخل المنطقة المقدسة، التي تضم الكعبة المشرفة، وأيضاً تصبح مدينة مكة نقطة النسبة الذهبية الوحيدة للعالم من ناحية القيم الموجبة للعرض والطول، والتي يتحقق وجودها على اليابسة.]

يتضمن هذا الكلام الاعتراف بوجود انحرافات بعدة كيلومترات في موضع النسبة الذهبية، غير أنه يرجعها إلى إشكالات أنظمة الخرائط، والمقصود من ذلك هو التشوهات الحاصلة في الخرائط المسطحة عند إسقاطها من سطح الأرض الكروي. نقول أنه، رغم أن هذا حاصل بالفعل في الخرائط المسطحة، ويتم تجنبه فقط باعتماد أحد الإسقاطات التي تحقق الغرض من الخريطة وينعدم معها الانحرافات. غير أن هذا ليس السبب في مسألتنا هنا. لأن الانحراف هنا ناتج عن عدم صحة الفرضية الأصل في المسألة والقائلة بأن الكعبة، أو مكة أو المنطقة المقدسة – بحسب نص الكلام المنقول – تقع على التمام على النسبة الذهبية للأرض. وما سقناه من أدلة قد قامت على قياسات جوجل للأرض، وهو نظام لا يستعمل الإسقاطات المشار إليها، بل يستخدم الهندسة الكروية التي وضع أساسها الرياضيون العرب بحرفية ومهارة قبل قرون بعيدة ليعلموا بواسطتها اتجاه القبلة في الأقاليم البعيدة. لذا فالاعتذار الضمني في العبارة الواردة أعلى عن الانحرافات التي يعلم صاحب الكلام بوجودها، غير مبرر، والعذر المعلن عنه غير صحيح في ذاته، لأننا لا نجري قياسات على خرائط مسطحة. أما قوله بأنه حتى مع هذه الانحرافات "فإن نقطة النسبة الذهبية لا تخرج خارج مدينة مكة إطلاقاً، وتظل داخل المنطقة المقدسة، التي تضم الكعبة المشرفة " فغير صحيح البتة، وقد أثبتنا أنها تقع خارج حدود الحرم الذي علَّمه – أي بَيَّن علاماته - جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبلغنا بها رسول الله وحددها بنفسه – صلى الله عليه وسلم - على المواضع الأرضية التي يراها الزائر لمكة المكرمة اليوم، وما من خلاف عليها نعلمه.

 [4] يقول: [هناك آية قرآنية واحدة فقط فيها كلمة مكة (على الصورة بكَّة)، وتتحدث عن تواجد الدلائل الصريحة التي تمنح الإيمان للإنسانية جمعاء، فقد تضمن قول الله تعالى في سورة (آل عمران)، الآية 96، وبكل وضوح، الصلة بين مكة المكرمة والنسبة الذهبية. وذلك لأن عدد جميع حروف هذه الآية هو 47. وعندما نأخذ النسبة الذهبية لعدد الأحرف نرى أنها تشير إلى كلمة مكة، حيث أن 47 تقسيم 1.618 = 29، بمعنى أن هناك تسعة وعشرون حرفاً من بداية الآية، وحتى نهاية كلمة [بكة]، مثلما هو الحال في خارطة العالم. ولو كان هناك نقص أو زيادة حرف واحد فقط، لما كانت تتألف هذه النسبة. وبكل سهولة أنجزنا نفس العملية التي قمنا بها حول العالم، وشاهدنا الإنسجام العظيم لعدد الحروف الذي يشير إلى العلاقة بين مكة المكرمة والنسبة الذهبية.]

نقول: يظهر في الشكل التالي الآية الكريمة المشار إليها:



ولكي يصح عدد الحروف ومن ثم العلاقة المشار إليها، يجب أن يتم عد الحروف المشدّدة باعتبارها حرفين، وليس حرفاً واحدا كما هو مكتوب في المصحف. غير أن النسبة قريبة بشكل لافت من النسبة الذهبية:

حيث 47/29             = 1.62068965517

ولكن النسبة الذهبية      =  1.6180439887

والخطأ بينهما هو 0.00265 أي2.65  في الألف.
والحق يقال أن النسبة قريبة جداً، غير أن هناك إشكال كبير، وهو أن طريقة عد الحروف التي نحصل معها على هذه النتيجة قامت على اعتبار أن كل حرف مشدد يعتبر حرفان اثنان (ولذلك المنهج تأييد اعتباري من أهل اللغة)، غير أن هذا الأمر مربك جداً إذا أخذنا باعتبارنا مزاعم أخرى في الإعجاز العددي في القرآن قال فيه أصحابه(5) أن: "طريقة عدّ الكلمات والحروف .. سهلة جداً وتعتمد على الحروف كما نراها مرسومة في كتاب الله تعالى دون اعتبار العلامات التي جاءت لاحقاً مثل الهمزة والمدّ والشدة ...، أي نعدّ الحروف حسب الرسم الأول للقرآن كما كُتب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يثبت أن الصحابة الكرام لم ينقصوا أو يزيدوا حرفاً واحداً في كتاب الله، ولو حدث ذلك لاختفى النظام العددي الذي أودعه الله في هذا القرآن." ولما طبَّق صاحب هذا الكلام هذه القاعدة استطاع أن يحصل على كثير من النتائج، بعضها مثير ومشجع لدراسة مسألة الإعجاز العددي بشكل جاد، مثل حصوله على علاقة تخص (سورة يس) تتحق فيها المعادلة الآتية(5):

عدد الحروف (2988)  =  ترتيب السورة (36) * عدد آياتها (83)

ولكن إذا شرعنا بهذه الطريقة في عد حروف آية (آل عمران:96) والمتعلقة بالنسبة الذهبية، لوجدنا أن النسبة ستؤول إلى: 24/42 = 0.571 !!!

هذا في حين أن النسبة الذهبية الصغرى 0.618، ويمثل الفرق بينهما 6.2%

وفحوى الإشكال أن صاحب مسألة النسبة الذهبية يعد الشدات بتكرار الحرف ويقول: "لو كان هناك نقص أو زيادة حرف واحد فقط، لما كانت تتألف هذه النسبة "، في الوقت الذي يقوم الآخر بعد الحروف دون أي علامات (همزات/مدات/شدات)، ويقول: " هذا يثبت أن الصحابة الكرام لم ينقصوا أو يزيدوا حرفاً واحداً في كتاب الله، ولو حدث ذلك لاختفى النظام العددي الذي أودعه الله في هذا القرآن "!!!  .... لذا، فطبقاً للأول تعتبر طريقة الآخر في عد الحروف خاطئة، وطبقاً للآخر تعتبر طريقة الأول خاطئة!!! .... فمن نصدّق منهما في الوقت الذي يُسقط كل منهما طريقة الآخر؟ .... والخلاصة أنه ما لم توجد طريقة معيارية لعدد الحروف، ومتفق عليها بطريقة شرعية، ولغوية صحيحة، فلا اعتبار لقول هذا أو ذاك .... وفي غياب ترجيح واضح بين الطريقتين، تبقى المسألة منفتحة على مزيد من الدراسة بما يستبين به الحق ويتحقق به العلم.

[5] يقول: [تتوالى الأدلة يوماً بعد يوم بمزيد من الأكتشافات التي تدعم فكرة النسبة الذهبية وعلاقتها بموقع مكة المكرمة، فنلاحظ في الشكل القياسات التي جرت بفرجار النسبة الذهبية - المعروف بفرجار ليوناردوا - بما يظهر وقوع مدينة مكة في الموقع الذهبي لشبه الجزيرة العربية، كما يظهر وقوع الكعبة في الموقع الذهبي بمدينة مكة، وحسب بيانات الاحتمال، فإنه من المستحيل أن يصبح كل ذلك مجرد صدفة.]


نقول: هذا الاستدلال أضعف، بل يُعد أوهن ما جاء به أصحاب مسألة النسبة الذهبية وعلاقتها بمكة أو الكعبة. وقولهم "القياسات التي جرت" لا أساس له من الصحة، فليس هناك من قياسات. وكل ما ظهر في الفيلم أن وُضع الفرجار المشار إليه بلا أي ضبط لثواني معدودة على الموضع المبين بـ (الشكل 18)، وقيل عن الأول أنه يثبت أن وضع مكة في النسبة الذهبية للجزيرة العربية، رغم أن حدود الفرجار كانت بمحاذاة تقريبية للحدود السياسية للمملكة العربية السعودية الشمالية والجنوبية. وفي غياب تعريف واضح لحدود الجزيرة العربية، يسقط هذا الكلام ويتهافت.


كما وأن الزعم الآخر بأن القياسات تثبت أيضاً أن وضع الكعبة يحقق النسبة الذهبية بمدينة مكة، شكل (19-يسار) محرج شديد الإحراج لأصحاب الفيلم. فالبقعة الصغيرة المحددة بالحدود الحمراء، والتي قيل أنها مدينة مكة ليست إلا المنطقة الإدارية التي تحمل إسم "منطقة مكة المكرمة". ويبدو أن أصحاب الفيلم لا يعلمون أن هذه البقعة ليست إلا واحدة من ثلاثة عشر تقسيماً إدارياً للمملكة. 


وهو تقسيم يتواضع عليه الناس ولا علاقة له بأي حدود للحرم كالتي رسمناها في شكل (19-يمين) وحصلنا عليها من مصادرها وأرهقتنا في رسمها حتى تتطابق والمصادر الشرعية. ولم يكن ذلك لمدينة مكة، بل للمنطقة الحرام حول الكعبة والتي تحمل اسم (الحرم)، والتي يجهل أكثر المسلمين معناها، ويظنوا أن الحرم يعني المسجد الحرام!. أما "منطقة مكة المكرمة" التي ظن أصحاب فيلم النسبة الذهبية أنها مدينة مكة فتشمل المدن الرئيسية: (مكة المكرمة وجدة والطائف)، هذا بخلاف التجمعات الحضرية خارج هذه المدن والتي تنتشر داخل حدود المنطقة. فكيف يتم المطابقة بين هذه وتلك؟! – بل حتى لو سلم لأصحاب الفيلم أنهم أصابوا في كلامهم عن مدينة مكة (العمرانية) لما كان لكلامهم قيمة في ذلك. إذ أنه ليس للعمران أي علاقة بحدود المنطقة الحرام من مكة. وكل ما في الأمر أن المنطقة الحرام أصبحت جزء من العمران الممتد بالمدينة.


أما آخر أوجه هذه المسألة، فهو أن النسبة الذهبية التي يشير إليها الفرجار منقلبة بين المسألتين، فالأخيرة تتطابق في اتجاهها مع النسبة الذهبية لمكة من الأرض لو صحت، أي أقرب إلى الشمال. أما الأولى، فهي عكسها، أي أقرب إلى الجنوب.


دفاع عدنان إبراهيم عن وجود النسبة الذهبية في موقع مكة بغير دليل مُعتبر:



أدرج عدنان إبراهيم ارتباط موقع مكة في الأرض بالنسبة الذهبية ضمن خطبة له بعنوان " النسبه الذهبيه وسر الجمال"، وجاءت الفقرة التي تخص ذلك من خطبته كما في المقطع التالي (اعتباراً من الدقيقة 35:20):




وجاء دفاعه عن علاقة مكة المكرمة بالنسبة الذهبية في نهاية الفقرة السابقة بحُجّة غاية في الغرابة والضعف، فقال:





وليلاحظ القارئ كيف أن حجته قامت على أن موقع مكة المكرمة لابد أن يكون على النسبة الذهبية فقط لأنها مكة المكرمة، حتى ولو اتفق لمواقع أخرى على الأرض أنها على النسبة الذهبية. وجاء تمثيله لتلك الحجة الغريبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتفق له بجانب أنه النبي أنه العربي القرشي العدناني .. وهي خصائص مميزة يتفق معه فيه أهل بيته الكرام، فكانت مزايا مُضافة! 


فنقول له إن هذه الخصائص المضافة إلى النبوة يقين، فلا وجه للشبه بينها وبين خصيصة النسبة الذهبية، والتي تُعد خصيصة غير ثابتة يجري التحقق منها، فتثبت أو لا تثبت. ولا وجه لإثبات كل خصيصة نتوسم فيها فضلاً، بالبيت العتيق ومكة المشرفة، فقط لأنها مكة التي كرمها الله عز وجل بنزول الوحي وأنها قبلة دينه وتحتضن بيته الحرام. بمعنى أنه ما من وجه يدعم ارتباط مكة المكرمة بالنسبة الذهبية من داخل فضل مكة بالقبلة والوحي على باقي المواقع الأرضية، بل لابد أن يأتي الدليل من خارج هذا العلاقة حتى يكون لها من القيمة المضافة ما تصبح به آية بنفسها. فيجب أن تتميز مكة المكرمة دون غيرها من مواقع بهذه العلاقة، وإلا لم تقم لنا حجة في الدفاع عنها كآية علمية مضافة لم تكن معلومة من قبل، ثم تكشفت دلائلها حديثا على وجه منفصل!



مزاعم عن تحقق قيم تصميمة في بناء الكعبة المشرفة بالنسبة الذهبية في سياق مختلف:

قيل أن(6): "النسبة الحقيقية بين حائط الكعبة بين الركنين الأسود واليماني إلى حائط الكعبة مابين الركنين الأسود والعراقي هي 1: 1.60 وهى تعرف باسم النسبة الذهبية (فاى)"

وإذا تساءلنا، وحق لنا أن نتساءل: لماذا انتقى صاحب العبارة السابقة هذين الحائطين على التخصيص، ولم يقل طول الكعبة وعرضها كما هو متوقع؟

لكانت الإجابة أنه اعتمد على رواية (الأزرقي) في (أخبار مكة) والتي جاء فيها(7): عن إبراهيم عليه السلام أنه لما بنى البيت: "جعل طوله في السماء تسعة أذرع، وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعا من الركن الأسود إلى الركن الشامي (المشهور بالعراقي) الذي عند الحجر من وجهه، وجعل عرض ما بين الركن الشامي (المشهور بالعراقي) إلى الركن الغربي (المشهور بالشامي) الذي فيه الحجر اثنين وعشرين ذراعا، وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحدا وثلاثين ذراعا، وجعل عرض شقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعا، فلذلك سميت الكعبة لأنها على خلقة الكعب."






وقد أرفق صاحب العبارة السابقة الرسم الآتي لهذه الأبعاد:




وكان الضلعان اللذان استخدمها هما (أ، ب) ونسبتهما = أ/ب = 32/20 = 1.6

ولو أنه استخدم الضلعان (ج، ب) لحصل على نسبة  = 31/20 = 1.55

ولو استخدم الضلعان (أ، د) فالنسبة = 32/22 = 1.45

ولو استخدم الضلعان (ب، ج) فالنسبة = 31/22 = 1.40



ومعنى ذلك أنه انتقى الأطوال التي تحقق له أقرب نسبة للقيمة 1.618، أي النسبة الذهبية، وذلك كي يكون الفرق أقل ما يكون! وهذا عمل إنتقائي تلفيقي، غير مقبول.



وإذا أقمنا حسابات أطوال الأضلاع على ما دلت عليه دراسة سابقة لنا(8)، ومبينة في (شكل (21)) طبقاً لللآثار المروية وللوضع الحالي الذي آل إليه الكعبة، لكانت النسبة بين طول الكعبة وعرضها (على أساس بنيان إبراهيم – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) = 14.45/9.65 = 1.497


وهي النتيجة التي تُفرغ زعم وجود علاقة بين نسب أضلاع الكعبة والنسبة الذهبية من معناها.








الخلاصة:

لم يثبت من التحقيق العلمي الذي أجريناه أعلى أي علاقة رصينة بين موقع الكعبة المشرفة، (أو الحرم المكي، أو مدينة مكة) والنسبة الذهبية التي قيمتها التقريبية 1.618، وذلك في إطار ما جاء في حيثيات تتبعناها وبيّنّا إشكالاتها. وأهمها:



1- أن هناك فرق قدره 19.674 كيلومتر بين موقع الكعبة وما يمكن اعتباره خط العرض الذهبي للأرض، وقيمة هذا الخط هو 21.24543 شمال خط الاستواء بالدرجات العشرية من خطوط العرض.



2- أن هناك فرق قدره 296.62 كيلو متر بين موقع الكعبة وما قيل أنه خط الطول الذهبي. والذي جاءت الدعوة بانطباقه على موقع الكعبة أو مكة. غير أنه لا يوجد للأرض ما يمكن اعتباره خط طول ذهبي لعدم وجود حدود طبيعية للأرض بين الشرق والغرب. بخلاف اتجاه الشمال والجنوب، والذي يمثل القطبان؛ الشمالي والجنوبي، حدّي الأرض الطبيعيين في هذا الاتجاه. وأما حد بداية التوقيت الدولي International Date Line – المقابل لخط جرينتش- فهو مواضعة بشرية ولا يجب أن يعتمد مرجعية لأي إعجاز علمي.



3- أما عن موقع كلمة "بكة" في قول الله تعالى "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ"، وكونها تحقق النسبة الذهبية بين حدي الآية، فلم يتبرر لدينا آلية عدد الحروف، وخاصة أنها تختلف عن آليات آخرى ذكرناها، وكان لها من الإيجابيات ما أشرنا إليه. أما إن ظهر أن الكعبة تقع على النسبة الذهبية حقاً، فإن ذلك مما يعضد آلية العدد. أما وأنه لم يظهر ذلك على التحقيق، فلا يكفى هذا الزعم بانفراده بالاستدلال.


4- أنه بافتراض أن الدعوة قد صدقت، ووجدنا أن موقع الكعبة ينطبق على خط العرض الذهبي للأرض، فما زالت هناك إشكالية، وهي أن هناك العديد من المواقع الحضرية يتحقق لها هذا التميز الذهبي! – إن كان هذا تميزاً !– وهو الأمر الذي ينفي انفراد موقع الكعبة أو مكة عما سواها في هذا التميز. وقد وجدنا أن مدينة الطائف يتحقق لها هذا الوضع على التمام، ولا يتحقق لمكة، ولا يضفي ذلك شيء على الطائف أو غيرها من مواقع مأهولة على ذلك الخط تعد بالمئات.

5- أن الزعم بأن مكة تقع عل نسبة ذهبية بالنسبة للجزيرة العربية، زعماً يفتقر لأي قيمة علمية لغياب أي ضابط للقياس يُعتَد به. أما القول بأن الكعبة تقع على نسبة ذهبية بالنسبة لمدينة مكة فكان زلة كبرى نتجت عن الخلط بين مدينة مكة المكرمة، والتقسيم الإداري الذي يحمل إسم "منطقة مكة المكرمة" والذي يشمل منطقة جغرافية ممتدة تشمل مدناً أخرى؛ منها الطائف على الشرق من مكة بـحوالي 60 كيلومتر، وجِدّة على ساحل البحر الأحمر وتبعد غرب مكة بحوالي 60 كيلومتر!.


نحو تحويل العلاقة بين الكعبة المشرفة والنسبة الذهبية من تهافت إعجازي إلى مسألة علمية منفتحة على البحث العلمي الجاد:

ومع ذلك، ومع كل هذه الإشكالات، ومع كون الزعم بالإعجاز العلمي في هذه المسألة قد أغلقها حتى لو صدقت، رغم أنه لم يتبين خالص صدقها، إلا أن المسألة قابلة لأن تعالج معالجة علمية في إطار تفسير علمي مقترح! يتميز بأنه منفتح على رؤى جديدة، ومرونة بحثية استكشافية، ربما يتعين بها صدق المسألة، ولكن من وجهة أخرى لم تخطر على بال أصحاب المسألة.

وهذا ما نشرناه في الجزء الثاني من هذه الدراسة.


الكعبة المشرفة والنسبة الذهبية
الجزء الأول : التهافت الإعجازي

Related Posts:

  • النسبه الذهبيه والكون النسبه الذهبيه والكون   1.618 إنها نسبة رياضية عجيبة (شكل (1)). كلما نقَّبت عنها وجدتها – أو حولها - في كثير مما خلق الله تعالى م… Read More

0 comments:

إرسال تعليق

روحانيات وعلوم

بحث هذه المدونة الإلكترونية

Recent Posts

Popular Posts

قائمة المدونات الإلكترونية

Unordered List

Text Widget

أرشيف المدونة الإلكترونية

بحث هذه المدونة الإلكترونية

يتم التشغيل بواسطة Blogger.